الهجرة غير الشرعية.. "ست الدنيا" تغرق في دوامة قوارب الموت
الهجرة غير الشرعية.. "ست الدنيا" تغرق في دوامة قوارب الموت
إعلامي وكاتب سياسي لبناني: الأزمة الاقتصادية تلعب الدور الأكبر في دفع الشباب اللبناني إلى الهرب على وقع حالة إحباط جماعية
لم تعد المناكفات السياسية وحدها الوحش الذي يبتلع أحلام اللبنانيين، بل صار البحر أيضاً مقبرة لمئات الشباب الساعين للهجرة غير الشرعية في البلد العربي المأزوم.
والسبت، كان لبنان على موعد مع مأساة جديدة، بإعلان غرق قارب جديد قرب السواحل الشمالية في طرابلس، وعلى متنه نحو 60 شخصًا، تم إنقاذ 45 منهم، في حين انتشلت قوات الجيش 6 جثامين بينهم طفلة، وجارٍ البحث عن باقي المفقودين.
ومنذ 4 أغسطس 2020، زاد انفجار مرفأ بيروت الوضع سوءا في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، واستقطاباً سياسياً حاداً، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.
حداد ومطالب بالتحقيق
والأحد، أمر الرئيس اللبناني ميشال عون، الأجهزة القضائية والعسكرية بفتح التحقيق في ملابسات الحادث، فيما تم استنفار الأجهزة الأمنية للتعامل مع تداعيات الحادث المأساوي.
بدوره، أعلن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، حالة الحداد الرسمي على الضحايا، وتنكيس الأعلام على الإدارات والبلديات والمؤسّسات الرسمية، وتعديل البرامج في محطات الإذاعة والتلفزيون بما يتوافق مع المناسبة الأليمة.
وعزا الجيش اللبناني أسباب وقوع الحادث، إلى الحمولة الزائدة للقارب، والتي تسببت في اختلال توازنه وتسريب المياه إليه، إذ قال قائد القوات البحرية اللبنانية هيثم الضناوي، في مؤتمر صحفي: "القارب مصنوع عام 1974 ولا يستطيع حمل أكثر من 10 ركاب، وليست به أي وسائل أمان".
وأضاف الضناوي: "دورية القوات البحرية حاولت حث قائد القارب على العودة لكنه لم يستجب وحاول الهرب فارتطم بقارب للقوات، لو لم نوقف القارب لغرق خارج المياه الإقليمية اللبنانية".
ومن جانبه دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري، في بيان، سلطات بلاده إلى كشف ملابسات هذه الجريمة المتمادية بحق أبناء الشمال اللبناني في طرابلس، وإنزال أقصى العقوبات بحق المرتكبين.
وغرد رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، عبر تويتر، قائلا: "عندما تصل الأمور بالمواطن اللبناني إلى اللجوء لقوارب الموت هرباً من جهنم الدولة، فهذا يعني أننا أصبحنا في دولة ساقطة".
وأضاف: "طرابلس اليوم تعلن بلسان ضحاياها هذا السقوط، الشهادات التي صرح بها ضحايا قارب الموت خطيرة، ولن نقبل بأن تدفن في بحر المدينة، المطلوب تحقيق سريع يكشف الملابسات ويحدد المسؤوليات، وخلاف ذلك لنا كلام آخر".
إثر اندلاع الحرب السوريّة في عام 2011، كانت الهجرة غير الشرعية تكاد تنحصر في النازحين السوريّين، إلّا أنّ دخول لبنان في أزمة اقتصاديّة صعبة، أدى إلى ارتفاع عدد اللبنانيّين الّذين يلجؤون إلى هذا النوع من الهجرة، رغم ضخامة مخاطرها.
ويصنف البنك الدولي، الأزمة الاقتصادية في لبنان كواحدة من أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث تتزايد محاولات الهجرة غير الشرعية بمعدلات لم يسبق لها مثيل، وهي لا تشمل اللبنانيين فقط لكن ينضم إليهم سوريون وعراقيون أيضا.
ورغم تكرار تلك الحوادث، لا توجد إحصاءات رسميّة شاملة لعدد الأشخاص الّذين غادروا لبنان عن طريق الهجرة غير الشرعيّة، رغم نشر قيادة الجيش اللبناني عبر موقعها الإلكتروني شهريا بين واقعة إلى اثنين لتوقيف قارب على متنه أشخاص يحاولون الهرب خارج البلاد.
إحباط جماعي
بدوره دعا الإعلامي والكاتب السياسي اللبناني المقيم في بريطانيا محمد علوش، إلى إجراء تحقيقات دقيقة ومحايدة للكشف عن ملابسات الحادث والذي تشير شهادات الناجين إلى أن القوات البحرية لعبت دورًا سلبيًا فيه.
وأضاف علوش لـ«جسور بوست»: "مسؤولية الحادث لا تقع على الحكومة وحدها بل على الدولة ككل لأنه ليس الحادث الأول من نوعه، بل تكرر من قبل أكثر من مرة، إذا لم نُجرِ تحقيقات بنزاهة وشفافية فإن الأمر سيتكرر مستقبلًا بشكل أسوأ".
وأوضح أن الأزمة الاقتصادية تلعب الدور الأكبر في دفع الشباب اللبناني إلى الهرب، فهي خلّفت حالة إحباط جماعية يعاني منها الشعب اللبناني بأكمله، وخاصة أبناء طرابلس، والتي تعتبر أفقر المدن اللبنانية، وأكثرها حرمانًا وأقلها حظًا من نصيب الدولة اللبنانية في الموارد.
وتابع: "إلى جانب الأزمة الاقتصادية الطاحنة هناك فساد سياسي وإداري ضخم، وهيمنة أطراف سياسية بعينها على كامل مقدرات الدولة اللبنانية، ما يفسر زيادة معدلات الهجرة غير الشرعية في البلاد".
وأوضح أن المجموعة التي تعرضت للحادث تنتمي إلى منطقة جغرافية معروفة بحرمانها وتواضعها الاجتماعي والتعليمي، فأغلب الضحايا يعملون في حرف متواضعة ومحدودي التعليم، قائلا: "الأزمة لا تخص طبقات اجتماعية محددة، بل تطال فئات المجتمع كافة".
ويعد لبنان بلدا ميّالا للهجرة الطوعية، فلا يزال تمثال المغترب في بلدية جبيل بمحافظة جبل لبنان، شاهدا على اتساع قاعدة شتات البلد العربي الذي ينتشر ملايين مواطنيه في مختلف قارات وأصقاع العالم، لكنه بات الآن يتجرع أوجاعا اقتصادية طاحنة تزيد شتاته ورغبة شبابه في الهجرة غير الشرعية.